الأربعاء، 16 يناير 2013

مسرحية في قلب مسرحية !


   يُخرجها من قبرها ... نبضها, صوتها , كل شيء فيها ضعيف ... جثة مع وقف التنفيذ !  ببشرة شاحبة , و عيون جاحظة ... يأتي بعلبة ألوان كان قد سرقها من طفل صغير كان في طريقه إلى المدرسة . يلون بها وجهها , يرسم حدود شفتيها و حروف عينيها , يبرز خديها .. في محاولة يائسة منه لبعثها إلى الحياة !

    يضع جسدها على سرير ملاءاته عذراء ناصع بياضها .. يمارس عليها سحرا قديما يدعى فحولة , يسميه هو رجولة , لا فرق لديه .. فهو كغيره لا يفرق بينهما كما لا يفرق بين الأسِرَّة المتسخة في الفنادق المشبوهة  وبين ساحات الحروب العظيمة !  ينهي طقوسه و يعلن انتصاره العظيم , يكرم نفسه بنفسه ,و يقدم لها جائزة الانتصار .. ملاءة بيضاء ملطخة بالاحمر , أو حمراء ملطخة بالبياض , هكذا يراها .. يضعها في اطار فخم كشاهدة على مجده ! يعرضها في المتحف القومي , تحدق بها بإمعان العيون الفارغة , تصفق لها بحرارة العقول الفارغة , يهنئونه على انجازه التاريخي و يوشحون صدره العاري بوسام " الشرف " من درجة " رجل " ... !! و ينتهي أول فصول المسرحية .

    ينادي بمن يبتاع لها بكارة صينية , يحدث نفسه سرّا : ماذا لو كانت هناك ايضا فحولة ( رجولة ) صينية ؟  تعجبه الفكرة فيبتسم لها بمكر .. سرعان ما يسكت ثرثرة افكاره , فالحيطان في قبيلته لا تسترق السمع فحسب , بل هي ايضا تقرأ الأفكار و تفتح الفنجان و تشتغل بعد الظهر واشية للمخابرات ! يخشى أن يسمع الآخرون أفكاره .. فقد يغفرون له كل شيء : سفك دماء الابرياء , نهب قوت اليتامى , حتى خيانة الوطن .. إلا ألا يكون " رجل " !!

    يلتفت إليها و هي ملقاة على السرير , و تلك الطقوس البربرية أنهكت ما تبقى من قواها .. يرميها بنظرة احتقار , يا لَلعار , إنها أنثى !  لعنة الله على الأرحام التي تنجب أنثى , كيف تجرأت على ذلك ؟ كيف سولت لها نفسها أن تكون أنثى ؟!

 يلقي القبض عليها و يعرضها للمحاكمة ؛ محاكمة هو فيها القاضي و المحامي و المدعي العام و هيأة المحلفين , و هو أيضا من كتب القسم و سن القوانين ! يكيل إليها الاتهامات دون أن ينتظر ردها .. يصدر حكمه عليها من الجلسة الأولى بالوأد جريا على عرف الجاهلية !!

    يعيدها إلى قبرها تحت أنظار العيون الفارغة .. يجلس قرب شاهد القبر يتلذذ بغناءها و هي تختنق تحت التراب ! بينما يرتشف كأسا من العصير  .. يأخذ مصاصة العصير من الكأس و يحشرها في التراب حتى تصل إلى فمها ليمنحها بعض الهواء في محاولة منه لإبقاها على قيد الحياة , فهو لا يزال في حاجة إليها لإعادة المسرحية !

    ينتفض الحاضرون فجأة – كمن بهم مس من الجن – يهتفون بإسمه احتفاء بشهامته , لقد منّ عليها بإعطاءها فرصة للحياة .. يا له من بطل , يا له من منتصر للمرأة !! يوشحون صدره العاري مرة أخرى بوسام البطولة من درجة انسان .. !

    تنتهي فصول المسرحية , يسرعون إلى مقاعد المتفرجين ليلعبوا دور الجمهور , يصفقون على أنفسهم بحرارة تذيب أياديهم الآثمة , يحيون أنفسهم و ينحنون لأنفسهم في غرور , يوقعون اتوغرافات لأنفسهم باقلام يعتصرون حبرها من على ملاءات اسِرّتهم  ... و تبدأ مسرحية اخرى على انقاض المسرحية !



2 التعليقات:

سناء يقول...

:/

عرفتي يا ليلى اختصرت كلشي فاش قلتي أنه يوشه بدرجة رجل ثم انسان

مشكلتنا أننا لازلنا نصارع اعترافنا بانسانيتنا، خصوصا إن كانت الصفة ستطلق على امرأة

تبا للجهل و للتقاليد و للاعراف المتخلفة

كم هي متعبة هذه الحقيقة، تتعبتني رؤية نساء في وطني يحاسبن على شيء ليس دليلا على شرفهن

الشرف فكرة قبل ان يكون مجرد قطع جلد

سأعود لقراءتها مرة أخرى ... أحتاج التمعن اكثر فيها

مررت من هنا

Unknown يقول...

مع كامل الاسف الرجولة او الفحولة او ايا كان المسمى في مجتمعاتهم تأتي اولا ... استفزني حقيقة موقف صديق لي خانته ثقافته الكبيرة و تعليمه الاكاديمي الراقي امام هذا الموضوع , و هكذا جاءت التدوينة .. اكره ان يكون هذا حال النساء في مجتمع دينه يكرم النساء .. اكره أن يلخص ايا كان شرفي في غشاء بكارة .. بل يلخص وجودي و حياتي في غشاء بكارة ! :/







إرسال تعليق