الاثنين، 6 مايو 2013

أنا.. و " سيدي الحزن " !

لا أحد يعلم ما يحدث كل ليلة سوانا، أنا وانت يا " سيدي الحزن " !
لا احد يعلم عن زياراتك الليلية السرية لي شيئاً..
لا يعلمون أنك تتسلل من بين أحداث يومي التافهة والمملة لتأثرني بزيارة خاصة..
تأتيني تجالسني، تقص على مسمعي قصص جروحي، ما أذكر منها وما لم أذكر..تحدّثني عن أخبار أحلامي التي لم يُكتب لها أن ترى النور، وتروي لي أخيراً رواية وحدتي التي لا تنتهي أبداً !
تأتي لترتشف معي كوباً من الأرق وتشهد على ما يحدث كل ليلة ...

بعد نوبة البكاء التي أعدّها أهم طقوس " ما قبل النوم "، ترتقي وسادتي عالياً لتستحيل سماء ثامنة منذرة بوابل مطر لم تأتي به قبلا أي سماء ! تمطر كل الدمع الذي سقيتها إياها طيلة سنوات عمري العشرين متوعدة بطوفان جديد !
تسقط دمعاتي تباعاً حتى تُغرق هذا الكوكب التعيس.. فيغرق كل شيء إلا انت يا " سيدي الحزن "، ترتقي إلى السماء تشاهد وتسخر مما يحدث !
حتى أنا أغرق وأذوق مما جنته عيناي على هذا العالم.. فأقاوم الغرق وأتشبت بكل غبائي بهذه الحياة البئيسة، أشعر بدمعي يخنقني.. اشعر بطعمه المالح والمر في فمي وانفي وكل مسام جسدي.. لكني كلما قاومت الغرق في دمعي أجدني أقاومك انت يا " سيدي الحزن ".. كيف لي أن أقاوم جبروتك وعتوك، كيف أقاوم إغراءك؟! فبالرغم من كل شيء، أجدك جميلا.. شهياً.. دافئاً .. أجدك يا سيدي أكثر وفاء من كل من عرفتهم يوماً ! كيف أقاوم كل هذا الوفاء ؟؟
أتوقف للحظة عن المقاومة واستسلم لك، وأشرع في البكاء لأزداد غرقاً فقط لإرضائك.. حينها فقط أجدني أطفو بينما الكل حولي يغرقون ! أطفو لأني تخلصتُ أخيرا من مناعتي ضدك أيها الحزن، لأني اعترفت بك سيداً وصديقاً.. أطفو لأني اصبحت مستنزفة من الألم، فارغة من فرط البكاء، خاوية من توالي خيبات الأمل !
حينها لا أحاول إنقاذ الغرقى ، ولا أسارع ببناء الفلك لأجلهم من أضلعي وحطامي.. حينها فقط أطفو وأستمتع برؤيتهم يغرقون !
لا يا سيدي، أبدا لستُ شخصا سيئاً يريد بالأخرين سوءاً,, لكن في نوباتي بكائي يصبح الكل مذنبين، مخطئين في حقي لأنهم ما كانوا مكترثين ! حتى من أحب منهم يصبحون -في حضرتك أيها الحزن - مزعجين، اهتمامهم بي يخنقني، سؤالهم السخيف عن سبب حزني يزعجني؛ ألا يعرفون أنك يا سيدي أكبر من كل الأسباب ؟!.. أتمنى - حينها - حقّاً لو أنهم لا يهتمون ! لا أريد لنار حزني أن تحرق أحداً سواي.. فهي عليّ برد وسلام !
في حضرتك يصبح كل شيء زائفاً، حبهم.. اهتمامهم.. حتى نصائحهم المقتبسة من الكتب التافهة.. حتى السعادة تصبح أسطورة خرافية مثيرة للسخرية.. كل شيء زائف إلا انت، أنت وحدك حقيقي بالنسبة إلي !

بعدما يهدأ طوفاني ويفنى كل من على الأرض، أمسك بكُمِّ منامتي أجفف بها بحور الدمع.. فتبدو الأرض خالية إلا من ذنوبهم وأحزانهم التي تنكروا لها في غمرة الغرق والاختناق ! فأرسل من أعماقي تنهيدة  تستحيل ريحا عاتية تطهرها من بقاياهم، فتصبح الأرض لي صفحة بيضاء مغرية بالكتابة.. حينها أعتلي عرش مكتبي وأستلُّ قلمي ملبية النداء !
كيف لي يا سيدي الحزن أن أشرح لك معنى أن تكون الأرض بأسرها لك ورقة عذراء.. تخلق بحروفك مروجها وتبسط سهولها، تعلي  جبالها وتشيد هضابها، تشقَّ وديانها وتملأ بحارها.. وتستخلف فيها من شخصياتك الخيالية من تشاء ! إنها السعادة بالنسبة لي يا سيدي الحزن، إنها السعادة في أغرب حللها..
حينها فقط أراك تتلاشى أمامي وتختبئ كعادتك ببراعة خلف أحرفي، فأبتسم لك في امتنان وأعلن في سري: من يريد أن يتعرف على " سيدي الحزن " فليقرأ ما بين السطور !

هذا سرنا يا " صديقي الحزن ".. هذا ما يحدث كل ليلة بينما الناس في سباتهم يعمهون..
 هم في عُرفي غرقى، وفي عُرفك حمقى.. وفي عُرف الليل هم - يا حزني - فقط نيام !





















0 التعليقات:

إرسال تعليق