الخميس، 6 يونيو 2013

أسطورة المجنون الحافي !

وقف العالِم مشدوها أمام الهياكل البشرية التي تمَّ اكتشافها مؤخراً. أعناقها المنحنية بشكل مُلفت أثارت حيرته، سيما أنه لم يستطع أن يعزو ذلك لنظرية التطور البشري، فقد سبقت له دراسة هياكل اقدم منها كانت اكثر استقامة من التي بين يديه !
 وبينما هو في حيرة من أمره، دخل عليه زميله قائلا - وهو يُعاين الهياكل - دون مقدمات : " لا بد أنها تعود لأكثر من ألفي سنة قبل الإنبعاث، أي حوالي القرن العشرين أو الحادي والعشرين ميلادي ! "
 اثارت هاته الكلمات إنتباه العالِم أخيرا لوجود زميله بالمختبر، فتبدَّى على محياه سؤال سرعان ما فطن به زميله فابتسم قائلا : " الأمر باد من انحناء أعناقها، فالأسطورة تقول أنهم آنذاك ما كانوا يتجرؤون على رفع رؤوسهم للسماء ولا حتى النظر إلى وجوه بعضهم البعض، خوفا من لعنة قد تحل بهم لأنهم بذلك ينتهكون حرمة العالم ويستبيحون عورة السماء ! "
بدت على العالِم علامات الإعراض عما يقوله زميله من خرافات لا تمت للعلم - الذي لا يؤمن بسواه - بِصِلة، فعاد من جديد ليغرق في حيرته.. لكن ذلك لم يثنِ زميله عن استئناف حديثه قائلا : " وبسبب الخوف من اللعنة عاش الإنسان في ذاك الزمن مطأطأ الرأس لا ينظر إلا لموطئ قدمه على الأرض، لا يعرف الآخر إلا عن طريق حذاءه ! فكانوا يعتنون بأحذيتهم أشد العناية كما كانوا يعتني من قبلهم بوجوههم وكما نعتني اليوم بأفكارنا ! 
لكن لكل زمن استثناء، وفي ذاك الزمن كان فتىً في مقتبل العمر لم يمتلك قط حذاء، فلم يعترف به " مجتمع الأحذية " وهمشه لاختلافه حيث أنه كان الحافي الوحيد بينهم ! وكان الفتى يُمنِّي النفس أن يحصل في يوم ما على حذاء يُخرجه من حياة الهامش ويجعله معترفا به بين من حوله، لكن تهميشهم كان اكبر من قدرته على التحمل فقرر أن يتمرد عليهم ويكفر بهم وبما يؤمنون به !
فتجرأ أخيرا على رفع رأسه للسماء، ومذاك الحين لم يعلم أحد ما الذي حدث و ما الذي رآه الفتى أصابه بالجنون.. فصار يجول في الطرقات مرددا : { من يريد الخلاص والعودة إلى الفردوس، فليلعن الشيطان كثيراً وليمتنع عن أكل التفاح !! }، وهذه يا صديقي - بإيجاز - أسطورة المجنون الحافي . "
لم يبدُ أن العالِم كان يستمع لما يقوله زميله, مما جعل هذا الاخير يغادر المختبر تاركا إياه في شروده وحيرته !
فجأة، انتفض العالِم كمن به مس من الشيطان وبدا كمن استعاد ذاكرته للتو.. التفت إلى الهياكل مخاطبا إياها بنبرة ملؤها الحزن : " الجنون لم يكن عليَّ لعنة بل نعمة حُرمكم منها خوفكم وغباءكم ! لو أنكم رفعتم رؤوسكم قليلا لعرفتم لمَ منعوكم من ذلك.. أولئك الذين كانوا يتحدثون بإسم السماء، قد أضلوكم عن الحقيقة يا أصدقاء ! نعم، الحقيقة هي حرمة هذا العالم؛ الحقيقة هي عورة السماء ! "
تغيرت ملامح وجه العالم بسرعة لتكسوها علامات الغضب، فضرب الجدار بقبضته، واستأنف حديثه قائلا : سحقاً للأعناق المنحية.. سحقاً للرؤوس المنكسة ! اللعنة هي أنكم عشتم حياتكم بين الاحذية ولم تنظروا يوما لروعة السماء .. جنوني اليوم خلَّدني وخوفكم أحالكم إلى رفات !
وسرعان ما انجلت غمامة الحزن عن محياه، حين اتجه نحو الشرفة رافعاً رأسه للسماء قائلا : " شكرا لك يا من في السماء لأنك لم تمنحني حذاء ! ".


















ملحوظة : إليكم أيها المختلفون، المميزون.. انتم فقط من تستطيعون رؤية الحقيقة ورفع رؤوسكم في مجتمع الاحذية !

0 التعليقات:

إرسال تعليق