الأربعاء، 8 يناير 2014

البشرية: كابوس آدم !

" صرخة آدم تلك كانت إعلاناً مبهما لنهاية السلام على الارض !! "


   بينما كان الهدوء يستأسد في تلك الليلة الغارقة في صمتها المهيب، دوت صرخة في المكان استيقظت على اثرها حواء من نومها مذعورة اشد الذعر..كانت تلك صرخة زوجها آدم !
كان آدم شاحب اللون، بارد اللاطراف، متسارع النبض، يتصبب عرقا كما لو أن سحابة تمطر على رأسه هو فقط !
 ما إن رأته  على تلك الحال، حتى سارعت حواء إليه تدثره وتحتضن جسده الذي يرتعش، دون ان تدري إن كان من الحمى أم من الخوف !
كانت شفتاه تنبسان بكلام اقرب إلى الهمس دون توقف غير آبهة بأسئلة حواء القلقة عما حدث، كان آدم يردد بصوت خافت زادت انفاسه المضطربة من خفوته : " يا ليتك كنتِ عاقراً يا حواء يا ليتك كنتِ عاقرا ! "
لم تفهم الزوجة أيا مما يتفوه بها زوجها، لكنها ظلت تحتضنه في محاولة منها للتهدئة من روعه : " لا بأس يا عزيزي، أيا كان ما قد رأيته فإنه مجرد كابوس." ظلت تردد.

بعد لحظات استعاد فيها الصمت زمام الامور في المكان، ودون مقدمات قال آدم: 
   - التفاحة ربما لن تكون خطيئتنا الوحيدة يا حواء !
   - ما الذي تقصده بقولك هذا يا عزيزي ؟
   - آآآه لو أنك رأيتِ ما رأيتُ، لكنتِ فهمتِ قصدي ولكنتِ التمستِ عذرا لما أن عليه من سوء الحال !
   - وما الذي رأيتَه يا آدم ؟ هلا أفصحت ؟
   - عم أفصح وقد عجزتْ فصاحتي عن وصف ما رأيتُ !
استعاد الصمت مرة اخرى سلطته عليهما للحظات اوشكت حواء بعدها أن تكرر سؤالها لآدم لولا أنه كان قد أستأنف كلامه قائلا :
   - رأيتُ أنك - يا عزيزتي - بدأت تحبلين، وفي كل مرة تحملين في احشائك من بنِيَّ مثنى مثنى، أحدهما ذكر والاخر أنثى.. وكان ذكرا كل حملين متعاقبين - بعد ان يبلغا اشدهما- يتبدلان الانثيين، فكان كل منهما يتزوج شقيقة الاخر في الحمل.. وهكذا اخذت ذريتي في التكاثر رويدا رويدا..
   ومن بين البنين رُزقنا بقابيل وهابيل، كُتبَ عليهما أن يتزوج كل منهما شقيقة الاخر. لكن قابيل بعد أن زرع الشيطان في صدره الكره والحقد والغيرة من اخيه هابيل - استكبر عن ذلك. وحين حكّم الأخوان اللهَ بينهما، تُقبًل القربان من هابيل فاستكبر قابيل عن امر ربه وسول له الشيطان فعلا شنيعا ما أتى به أحد قبله ! لقد سفك دم أخيه وسلبه الحياة التي وهبه الله ! لقد قتله يا حواء.. اه يا لَلخطيئة التي لا تُغتفر !
   - هوِّن عليك يا عزيزي إنه مجرد كابوس !
 وكما لو أن لم يسمع ما قالته حواء للتو، أستأنف حديثه قائلا :
   - ومضت السنون على ذلك وتكاثرت ذريتي وانتشر أبنائي في الارض وصاروا شعوبا وأمما وقبائل.. واخذوا يختلفون عنا كثيرا، فاختلفت ألوانهم وسماتهم وألسنتهم وعاداتهم.. لكن ما لم يختلفوا فيه هو إرث قابيل الذي خلفه بعده : اراقة الدماء والافساد في الارض ! انتشرت الحروب والنزاعات وكثر القتل وسفكت الكثير من الدماء.. كل ذلك لأجل ماذا ؟ لأجل هاته الارض وما تحويه !! نعم يا حواء، هاته الارض التي عوقبنا بها على خطيئتنا الاولى.. هاته الارض التي نكرهها أنا وأنتِ ! وها هم أبناءنا على خطانا يستبدلون التي هي ادنى بالتي هي خير ! آه يا للخطيئة التي لا تُغتفر !
   - لكن أيّا من هذا لم يحصل حقا ! هدّئ من روعك يا آدم إنه مجرد كابوس !
ومرة أخرى يتجاهل آدم تعقيب زوجته مكملا ما بدأه :
   - وبالرغم من تعاقب رسل من الله عليهم يهدونهم سبل السلام، ويبعدونهم عن سبل الافساد في الارض، كانت اكثر ذريتي من الجاهلين المستكبرين تماما كما كان قابيل ! فكانوا يقتلونهم ومن تبعهم غير ابهين للوعيد ولا العقاب ! 
     استمر الحال على ما هو عليه حتى اخر الزمان.. زمان غريب فيه من العجائب ما لم نبصر بها قبلا، تطاول البنيان، واختلف الانسان.. وصارت الارض غير الارض التي ألفناها.. هاته الارض المتخمة بالخضرة والحياة صارت مخضبة بالدماء، مشبعة بالموت ! عم الفساد البرَّ والبحرَ واستعرت الحروب اكثر من ذي قبل، وصار القتل كما الاكل والشرب والنوم لنا.. صار الابن يقتل اباه والاب يقتل ابنه والاخوة يتقاتلون والرجل يقتل نفسه.. الكل يَقتُلون دون أن يعلموا لأي غاية قَتَلوا، والكل يُقتلون ولا يدرون بأي ذنب قُتِلوا !

عندها أجهش آدم في البكاء بحرقة وغص صدره بألم بدا أنه أكبر من أن يحتمله وقال على مضض:
   - ما رأيته يا حواء أبشع من أن يصفه القول، يا ليتك رأيتِ ما رأيت ! الويل لذريتي ولي ! آه يا لَلخطيئة التي لا تًغتفر !
   - عن أي خطيئة تتحدث يا آدم ؟ أي من هذا لم يحدث يا عزيزي.. هون عليك إنه مجرد كابوس !
بدت علامات الغضب على وجه آدم فقام من مجلسه وصاح:
   - نعم يا حواء أعلم ذلك جيدا، أنا لم أُجن بعد.. اعلم أنه كابوس.. كابوس لعين ربما لن يهنأ نومي بعده ما حييت ! لكني أخشى.. أخشى أن يتحقق !

عاد الصمت من جديد ليضرب اطنابه في ارجاء المكان وكأن شيئا لم يحدث.. 
بعد أن هدأ روعه، التفت آدم لزوجته حواء مبادراً بالقول:
   - فلندع هذا الحديث جانباً، أخبريني بما أردتِ إخباري به بالامس قبل أن أغط في النوم..
عندها امتقع لون حواء واضطرب صوتها وهي تجيب:
   -  لم يكن أمراً ذا أهمية يا عزيزي !
   -  فلتخبريني على اية حال..
 بعد تردد وبصوت اكثر اضطرابا:
   - كل ما في الامر .. أني..
   - أنك ماذا ؟
   - أني حامل !!
ما إن بلغ من قول زوجته مبلغ الإدراك، حتى سقط آدم مغشيا عليه !

0 التعليقات:

إرسال تعليق