الأربعاء، 27 مارس 2013

أنا النور.. أنا الظلام !


المكان هادئ، غريب، موحش وشديد السواد، يُحدثني صوت داخلي أن الذي حولي يُسمى " ظلمة " ! على أيٍّ أنا لا أحبها، فهي تُشعرني بالضيق والإنزعاج والوحدة.. كما أشعر باحتياج إلى شيء ما لا أدري ما هو ! يتدخل الصوت ذاته داخل رأسي يخبرني أني أكره " الظلام " وما اتوق إليه يُسمى " النور " !
لمَ أسميتُهما ظلاماً ونوراً ؟ لمَ أكره الأول وأتوق إلى الأخير وليس العكس ؟ لا أدري .. ما أعرفه أني - على ما يبدو - في أعماقي أدركهما وكأني لي سابق عهد بهما في حياة سابقة !
مهلا.. لمْ ألقِ بالاً قبلاً أنّي أحمل شيئا ما في يدي.. أعلم غيباً أنها " شمعة " وأنها مصدر النور الذي أبحث عنه، لكنها تحتاج إلى شيئ آخر لتنير !! قبس من النار.. هكذا عقّب الصوت مرة أخرى!
لكن مهلا.. كيف لشيء سيء أخافه وأتجنبه غيباً، أن يكون أساسا لشيء رائع أتوق إليه غيبا كذلك ؟!! .. ما هذا الهراء ؟ إني أشعر بصداع رهيب !
تُحدثني نفسي فجأة أن من وضع الشمعة بيدي لابد وأنه جعل مصدراً للنار في مكان قريب.. أتحسس المكان حولي بحذر، تقعُ يدي على جسم بارد.. أعلمُ غيباً أنها " قدّاحة " ! أسارع بلهفة إلى إشعال الشمعة.. ها هو إذن النور الذي أتوق إليه، إنه حقا جميل..
أشعر بالحماس يتدفق في عروقي والفضولِ يستحوذ عليّ.. ثبتتُ الشمعة كي لا تسقط، وشرعتُ أمشي مرحاً أتجول لاستكشاف المكان..
يا للهول ! لا يوجد هنا سوى المزيد والمزيد من الظلام ! أنا الآن سجينة بقعة الضوء بعدما كان المكان المظلم كله ملكي ! التفتتُ إلى الشمعة متسائلة: هل هي حقا مصدر للنور أم للظلام !! لا أدري.. أنا الآن أكثر خوفاً وشعوري بالوحدة أشد وطأة وإيلاماً، إني أشعر بالغربة ! غربة نقطة مضيئة في محيط مظلم، أو علّها نقطة معتمة في محيط مضيء ! وما يدريني أن النور الذي حدثني عنه الصوت المزعج ليس ظلاما وأن الظلام هو النور ! لمَ أصدّقُ ثرثرته واسلم بكل ما يقول ؟!! اختلطت الأمور في رأسي الصغير، وما عُدتُ اعلم شيئا على وجه اليقين.. إني أغرق في الشك !
عاودني الصداع الرهيب من جديد، لا أريد الآن سوى التوجه صوب الشمعة لأطفئها وأعيد كل شيء إلى سيرته الأولى.. لكن كلما اقتربتُ أجدُ الشمعة تبتعد، كما أني أشعر بتعب ووهن مفاجئين ! يتدخل الصوت مرة أخرى يُخبرني بنبرة - ملؤها الشماتة - أن ذلك فعلُ الزمن، وأن جسدي شاخ وأنا في غفلة من أمري !
جثوتُ على رُكبتيّ الواهنتين رغما عنّي وأنا ارقبُ الشمعة يتراقَصُ لهيبُها احتفالا بما أنا عليه !
أشعرُ بإعياء وثقل شديد على عينيّ.. أعلمً غيباً أنه النوم ! ينسدلُ جفناي رُغما عنّي, فأجدني أستعيد بعضا من الظلام الذي ألفته في بادئ الأمر ! ترتسمُ ابتسامة صغيرة على ثغري سرعان ما تتحوّلُ إلى قهقهة عالية ثم ضحكة هيسترية أنستني الوهن والتعب.. ألقيْتُ القداحة بعيداً وشرعتُ ادور حول نفسي بجنون وأصرخ بملء صوتٍ لا صدى له :
سحقاً لك أيتها الشمعة وسحقاً لهذا المكان..
أنا مصدرُ النور.. أنا مصدرُ الظلام.. بل أنا النوروأنا الظلام..
أنا النور وأنا الظلام .. أنا النور وأنا الظلام ..
أشعر بالدوار, لذا ألقيتُ بجسدي المنهك على الأرض فرحاً، وضممتُه إليَّ.. نظرتُ إلى الشمعة وأخرجتُ لها لساني استهزاءاً معلنة عن هزيمتها النكراء وانتصاري العظيم.. ثم أغمضتُ عينيّ.. ما أجمل العودة إلى الوطن !


اللوحة للفنان: ناصر التركي

















1 التعليقات:

غير معرف يقول...

مرحبا انا عمري 14 سنة دائما ابحث في جوجل عن كلام و تدوينات تتحدث عن الياس الام الحزن الوحدة الظلام و لكنني عندما قرات كتابتك لم احس بانها محزنة لقد كنت اقرا و انا اشكل في ذهني لوحة يتراقص فيها لونان الاسود و الابيض لقد جعلتني افكر في الاساطير الاغريقية و اليونانية لا اعرف لماذا انت مبدع(ة) احببت كتابتك كمل(ي)

إرسال تعليق