الاثنين، 4 مارس 2013

حقل الرمان..

فجأة و بدون سابق إنذار, رأيتُني أكسر صمتي الذي عادة ما أُشهرُ راياته في المنزل, وجدتُني أتمرد على لامبالاتي المصطنعة وأهُمُّ بـ" فرقعة الرمانة " كما يُقال ! بدأتُ في الحديث بدون مناسبة, قلتُ الكثير والكثير, ولم أدرك حقا ماذا كنتُ أقول... هل فعلا كنتُ اتكلم عن وعي كامل أم كنتُ أهذي ؟ لا أدري ! تحدثتُ كثيرا حتى تزاحمَتِ الكلماتُ في حنجرتي وتعثّر لساني في زحامها, فما عدتُ أعلم ماذا أقول.. غص قلبي بالوجع وقلة الحيلة والعجز عن التعبير, فسارعت دموعي إليَّ تأخذُ بيدي, لكني بكل كبرياء رفضت ! لم أبلغ من الضعف بعد الدرجة التي أستعين فيها بالدموع !! لكن دمعي نهل من تمردي الشيء الكثير, فلم ينتظر إذني ليشق طريقه على وجنتاي المقفرتان اللتان لم ترويهما العبرات منذ زمن بعيد. سال دمعي سيلا جارفا أمام مرأى أمي التي على ما يبدو لم تفهم أيا مما يحدث !
لم أُلقِ بالا أن من اخترتُه  ليكون الشاهد على ثوران بركاني الخامد وأن يحترق بحممه لم يكن شخصا أخر سوى أمي ! أمي التي لا أملكُ حضنا غيرها في هذا العالم ولا تملكُ ألما أكبر مني في هذه الحياة !
كانت أمامي , أمام فوهة البركان .. أكيل إليها الكلمات تُهما , بل سهاما وخناجر وقنابل ذرية ! رغم ان عينيَّ المفتوحتين كانتا مركزتان عليها لكني لم أرها, كنتُ متعطشة للكلام أكثر منه للرؤية.
أخيرا انتبهتُ إليها وأدركتُ أني أعلنتُ الثورة على الشخص الخطأ ! .. كانت جالسة أمامي طفلة شاحبة, غارقة في الصمت, معالم وجهها لا تُفسَّر.. هل هي حيرة أم دهشة أم صدمة .. لا أدري !
على أي لم يكن أي من كلامي مفهوما, كنتُ أريد أن أقول شيئا فإذا بي أقول كل شيء في آن واحد ! كنتُ في حاجة إلى فرقعة رمانة فإذا بي أجدُني أمام حقل من الرمان الملغوم !!
أشحتُ بوجهي بعيدا عن ناظري أمي في محاولة يائسة للسيطرة على الموقف من جديد, واسترجاع قناع اللامبالاة الذي أسقطه الدمع أمامها كاشفا لها عن الفتاة الهشة الضعيفة التي تستوطنني ! حاولتُ مراجعة ما قلتُه وربط تلك الكلمات بروابط منطقية يسهل على أمي استيعابها. أردتُ أن أخرج من هذا المأزق وأنجو من ثورتي الفاشلة بأقل الأضرار.. ! لكن النظرة التي انطبعت على وجه أمي الشاحب أخرستني. لم تكن نظرة حيرة أو خوف أو دهشة أو حتى حب, بل كانت نظرة فارغة من كل معنى عدا  الشفقة !
آآآآه لو كانت تعلم ما الذي صنعتْه بي تلك النظرة لما رمقتني بها.. كسرتْني, زلزلتني, ذبحتني من الوريد إلى الوريد ! للمرة الأولى أنظر في مرآة عينيها ويا ليتني ما نظرت.. آه كم بدوتُ مثيرة للشفقة في عينيك يا أمي !
صرخ الوجع في داخلي ينوب عني : أرجوكِ لا تشفقي عليّ, حبا في الله لا تفعلي .. لا أريدك أن تشفقي, فلن أتحمل ذلك. أريدك فقط أن تحبيني.. أحبيني واحضنيني بقوة حتى تهشمي عظامي الهشة. خبئيني في حضنك.. خبئيني من نفسي ومنهم, إني خائفة .. ازرعيني في صدرك واتركيني بالدمع اسقي الصدر الذي سقاني يوما.. اتركي رأسي يرتاح على ركبتيك فإني منهكة يا أمي, إني متعبة .. أريدك أن تُعيديني إلى سيرتي الأولى, أرجعيني إلى رحمك كي تتنفسي لكلينا فإني أختنق.. لتعيشي لنا نحن الاثنتين فإني مذ فارقت رحمك ما وجدتُ سبيلي للحياة ! أرجوك أمي لا تشفقي عليّ.. فقط أحبيني وانقذيني من حقل الرمان !

6 التعليقات:

غير معرف يقول...

خُلقنا في كَبِدّ ً وهذه الحياه مـُؤلمه وقاسيه رمتنا في أحضان القدر أيتام تفتقدُ كل شيء لانُريد سوى العوده لرحم أمهاتنا او طفولتنا الجميله...
مُبدعه ياليلى أعجبني تعبيرگ ووصفگ بحالتگ وحقل الرمان ولو كُنت بجنابگ لأبدلتها بحقول الآفندر.

مدونة سعيد يقول...

السلام هذه أول زيارة لي لهذه المدونة الرائعة

تحياتي لك

Unknown يقول...

قاسية هي الحياة لا يلينها سوى اشخاص مثلك زهرتي ...
انتِ اروع , أتمنى صدقا لو كنتِ معي :)

Unknown يقول...

مرحبا بك أخي سعيد .. أنرت المدونة :)))

سناء يقول...

:/ :\

كثرة الضغط تفضي إلى الإنفجار، حاولي تغيري الجو

لا تنسي أن تعتذري لها، ربما أحسن اعتذار هو أن تعطيها ما كتبته هنا لتقرأه

صعبة هي لحظ
ات الفراغ، صعبة و قاسية ...

صدقيني ليلى، القوة ليس شيئا مطلقا، و ان كنت دائما قوية أمام قلبك و دموعك و الأنثى التي تسكنه فلن يكون الأمر طبيعيا

أصل الطبع عند الانسان صفة يكسرها عكسها في لحظات معينة

لن أقول لك أكثر ... فقط لا تجمعي السم من هنا (اقصد العالم الافتراضي) و من خيبات لا يد لك فيها و تنثريه على من لا ذنب لهم ...

جميل أن تفضفضي...

كـــــــــــــــــــوني سعيدة
لديك كل ما تتطلبه السعادة ...

كوني سعيدة لأن الدنيا لن ترحمك إن لم تستغلي هكذا أوقات

كنت هنا

Unknown يقول...

سوف أفعل.. علمتُ اخيرا أن السعادة قرار وسوف أتخذه :)
سأفرغ كل ضغوط حياتي وكرهي وحبي وسعادتي وحزني وكل خيباتي امالي هنا في الكتابة .. سأفرقع الرمانة هنا ..
آمل ألا يضيق صدركم بها :)

مرورك يبارك كل تدويناتي :))

إرسال تعليق